فصل: فصل إنما يعق عن المولود من تلزمه نفقته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 فصل تجديد النية عند الذبح

قدمنا أن النية شرط في التضحية وأن الشاة إذا جعلها أضحية يكفيه ذلك عن تجديد النية عند الذبح وجهان الأصح لا يكفيه فإن قلنا يكفيه استحب التجديد ومهما كان في ملكه بدنة أو شاة فقال جعلت هذا ضحية أو هذه ضحية أو علي أن أضحي بها صارت ضحية معينة وكذا لو قال جعلت هذه هديا أو هذا هدي أو علي أن أهدي هذه صار هديا وشرط بعضهم أن يقول مع ذلك لله تعالى والمذهب أنه ليس بشرط وقد صرح الأصحاب بزوال الملك عن الهدي والأضحية المعينين كما سيأتي تفريعه إن شاء الله تعالى وكذا لو نذر أن يتصدق بمال معين زال ملكه عنه بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه لا يزول ملكه عنه ما لم يعتقه لأن الملك في الهدي والأضحية والمال المعين ينتقل إلى المساكين وفي العبد لا ينتقل الملك إليه بل ينفك الملك بالكلية‏.‏

أما إذا نوى جعل هذه الشاة هديا أو أضحية ولم يتلفظ بشىء فالمشهور الجديد أنها لا تصير وقال في القديم تصير واختاره ابن سريح والاصطخري وعلى هذا فيما يصير به هديا أو أضحية أوجه أحدها بمجرد النية كما يدخل في الصوم بالنية وبهذا قال ابن سريج‏.‏

والثاني بالنية والتقليد أو الإشعار لتنضم الدلالة الظاهرة إلى النية قاله الاصطخري‏.‏

والثالث بالنية والذبح لأن المقصود به كالقبض في الهبة‏.‏

والرابع بالنية والسوق إلى المذبح ولو لزمه هدي أو أضحية بالنذر فقال عينت هذه الشاة لنذري أو جعلتها عن نذري أو قال لله علي أن أضحي بها عما في ذمتي ففي تعينها وجهان الصحيح التعين وبه قطع الأكثرون‏.‏

وحكى الإمام هذا الخلاف في صور رتب بعضها على بعض فلنوردها بزوائد فلو قال ابتداء علي التضحية بهذه البدنة أو الشاة لزمه التضحية قطعا وتتعين تلك الشاة على الصجيح ولو قال علي أن أعتق هذا العبد لزمه العتق وفي تعيين هذا العبد وجهان مرتبان على الخلاف في مثل هذه الصورة من الأضحية والعبد أولى بالتعيين لأنه ذو حق في العتق بخلاف الأضحية فلو نذر إعتاق عبد ثم عين عبدا عما التزم فالخلاف مرتب على الخلاف في مثله في الأضحية ولو قال جعلت هذا العبد عتيقا لم يخف حكمه ولو قال جعلت هذا المال أو هذه الدراهم صدقة تعينت على الأصح كشاة الأضحية وعلى الثاني لا إذ لا فائدة في تعيين الدراهم لتساويها بخلاف الشاة ولو قال عينت هذه الدراهم عما في ذمتي من زكاة أو نذر لغا التعيين باتفاق أصحاب كذا نقله الإمام لأن التعيين في الدراهم ضعيف وتعيين ما في الذمة ضعيف فيجتمع سببا ضعف قال وقد يقاس بتعيين الدراهم كديون الآدميين وقال لا تخلو الصورة عن احتمال‏.‏

فرع سبق بيان وقت ضحية التطوع فلو أراد التطوع بالذبح وتفريق اللحم بعد أيام التشريق لم يحصل له أضحية ولا ثوابها لكن يحصل ثواب صدقة ولو قال جعلت هذه الشاة ضحية فوقتها وقت المتطوع بها ولو قال لله علي أن أضحي بشاة فهل تتوقت بذلك الوقت وجهان أحدهما لا لأنها في الذمة كدماء الجبران وأصحهما نعم لأنه التزم ضحية في الذمة والضحية مؤقتة وهذا موافق نقل الروياني عن الأصحاب أنه لا تجوز التضحية بعد أيام التشريق إلا واحدة وهي التي أوجبها في أيام التشريق أو قبلها ولم يذبحها حتى فات الوقت فإنه يذبحها قضاء فإن قلنا لا تتوقت فالتزم بالنذر ضحية ثم عين واحدة عن نذره وقلنا إنها تتعين فهل تتوقت التضحية بها وجهان أصحهما لا‏.‏

 فصل في كراهة الحلق في عشر ذي الحجة

من أراد التضحية فدخل عليه عشر ذي الحجة كره أن يحلق شعره أو يقلم ظفره حتى يضحي وفيه وجه أنه يحرم حكاه صاحب الرقم وهو شاذ والحكمة فيه أن يبقى كامل الأجزاء لتعتق من النار وقيل للتشبيه بالمحرم وهو ضعيف فإنه لا يترك الطيب ولبس المخيط وغيرهما وحكي وجه أن الحلق والقلم لا يكرهان إلا إذا دخل العشر واشترى ضحية أو عين شاة من مواشيه للتضحية وحكي قول أنه لا يكره القلم‏.‏

قلت‏:‏ قال الشيخ إبراهيم المروروذي في تعليقه حكم سائر أجزاء البدن كالشعر والله أعلم‏.‏

وأما أحكام الأضحية فثلاثة أنواع الأول فيما يتعلق بتلفها وإتلافها وفيه مسائل إحداها الأضحية المعينة والهدي المعين يزول ملك المتقرب عنهما بالنذر فلا ينفذ تصرفه فيهما ببيع ولا هبة ولا إبدال بمثلهما ولا بخير منهما وحكي وجه أنه لا يزول ملكه حتى يذبح ويتصدق باللحم كما لو قال لله علي أن أعتق هذا العبد لا يزول ملكه عنه إلا بإعتاق والصحيح الأول والفرق ما سبق ولو نذر إعتاق عبد بعينه لم يجز بيعه وإبداله وإن لم يزل الملك عنه ولو خالف فباع الأضحية أو الهدي المعين استرد إن كانت العين باقية ويرد الثمن فإن أتلفها المشتري أو تلفت عنده لزمه قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف ويشترى الناذر بتلك القيمة مثل التالفة جنسا ونوعا وسنا فإن لم يجد بالقيمة المثل لغلاء حدث ضم إليها من ماله تمام الثمن‏.‏

وهذا معنى قول الأصحاب يضمن ما باع بأكثر الأمرين من قيمته ومثله وإن كانت القيمة أكثر من ثمن المثل لرخص حدث فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في نظيره ثم إن اشترى المثل بعين القيمة صار المشترى ضحية بنفس الشراء وإن اشتراه في الذمة ونوى عند الشراء أنها أضحية فكذلك وإلا فليجعله بعد الشراء ضحية‏.‏

المسألة الثانية كما لا يصح بيع الأضحية المعينة لا يصح إجارتها ويجور إعارتها لأنها إرفاق فلو أجرها فركبها المستأجر فتلفت لزم المؤجر قيمتها والمستأجر الأجرة وفي الأجرة وجهان أصحهما أجرة المثل والثاني الأكثر من أجرة المثل والمسمى ثم هل يكون مصرفها مصرف الضحايا أم الفقراء فقط وجهان‏.‏

قلت‏:‏ أصحهما الأول والله أعلم‏.‏

الثالثة إذا قال جعلت هذه البدنة أو هذه الشاة ضحية أو نذر أن يضحي ببدنة أو شاة عينها فماتت قبل يوم النحر أو سرقت قبل تمكنه من ذبحها يوم النحر فلا شيء عليه وكذا الهدي المعين إذا تلف قبل بلوغ المنسك أو بعده قبل التمكن من ذبحه‏.‏

الرابعة إذا كان في ذمته دم عن تمتع أو قران أو أضحية أو هدي عن نذر مطلق ثم عين بدنة أو شاة عما في ذمته فقد سبق خلاف في تعيينه والأصح التعيين وحينئذ المذهب زوال الملك عنها كالمعينة ابتداء لكن لو تلفت ففي وجوب الإبدال طريقان قطع الجمهور بالوجوب لأن ما التزمه ثبت في ذمته والمعين وإن زال الملك عنه فهو مضمون عليه كما لو كان له دين على رجل فاشترى منه سلعة بذلك الدين فتلفت السلعة قبل القبض في يد بائعها فإنه ينفسخ البيع ويعود الدين كما كان فكذا هنا يبطل التعيين ويعود ما في ذمته كما كان‏.‏

والطريق الثاني فيه وجهان نقلهما الإمام أحدهما لا يجب الإبدال لأنها متعينة فهي كما لو قال جعلت هذه أضحية‏.‏

الخامسة إذا أتلفها أجنبي لزمه القيمة بأخذها المضحي ويشترى بها مثل الأولى فإن لم يجد بها مثلها اشترى دونها بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه فقتل فإنه يأخذ القيمة لنفسه ولا يلزمه أن يشترى بها عبدا يعتقه لأن ملكه هنا لم يزل عنه ومستحق العتق هو العبد وقد هلك ومستحقو الأضحية باقون فإن لم يجد بالقيمة ما يصلح للهدي والأضحية ففي الحاوي أنه يلزم المضحي أن يضم من عنده إلى القيمة ما يحصل به أضحية لأنه التزمها ومن قال بهذا يمكن أن يطرده في اللف وهذا الذي في الحاوي شاذ‏.‏

والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا شيء عليه لعدم تقصيره فعلى هذا إن أمكن أن يشترى بها شقص هدي أو أضحية ففيه ثلاثة أوجه الأصح أنه يلزمه شراؤه والذبح مع الشريك ولا يجوز إخراج القيمة كأصل الأضحية والثاني يجوز إخراج القيمة دراهم فعلى هذا أطلق مطلقون أنه يتصدق بها وقال الإمام يصرفها مصرف الضحايا حتى لو أراد أن يتخذ منه خاتما يقتنيه ولا يبيعه فله ذلك وهذا أوجه ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق بل المراد أن لا يجب شقص ويجوز إخراج الدراهم وقد يتساهل في ذكر المصرف في مثل هذا قلت‏:‏ هذا الذي حكاه عن والوجه الثالث يشترى بها لحما ويتصدق به وأما إذا لم يمكن أن يشترى بها شقص لقلتها ففيه الوجه الثاني والثالث ورتب صاحب الحاوي هذه الصور ترتيبا حسنا فقال إن كان المتلف ثنية ضأن مثلا ولم يمكن أن يشترى بالقيمة مثلها وأمكن شراء جذعة ضأن وثنية معز تعين الأول رعاية للنوع وإن أمكن ثنية معز ودون جذعة ضأن تعين الأول لأن الثاني لا يصلح للضحية وإن أمكن دون الجذعة وشراء سهم في ضحية تعين الأول لأن التضحية لا تحصل بواحد منهما وفي الأول إراقة دم كامل وإن أمكن شراء لحم وشراء سهم تعين الأول لأن فيه شركة في إراقة دم وإن لم يمكن إلا شراء اللحم وتفرقة الدراهم تعين الأول لأنه مقصود الأضحية‏.‏

السادسة إذا أتلفها المضحي فوجهان أحدهما يلزمه قيمتها يوم الإتلاف كالأجنبي وأصحهما يلزمه أكثر الأمرين من قيمتها وتحصيل مثلها كما لو باع الأضحية المعينة وتلفت عند المشتري فعلى هذا لو كانت قيمتها يوم الإتلاف أكثر وأمكن شراء مثل الأولى ببعضها اشترى بها كريمة أو شاتين فصاعدا فإن لم توجد كريمة وفضل ما لا يفي بأخرى فعلى ما ذكرنا فيما إذا أتلفها أجنبي ولم تف القيمة بشاة وهنا وجه آخر أن له صرف ما فضل عن شاة إلى غير المثل لأن الزيادة بعد حصول المثل كابتداء تضحية ووجه أنه يملك ما فضل‏.‏

السابعة إذا تمكن من ذبح الهدي بعد بلوغه المنسك أو من ذبح الأضحية يوم النحر فلم يذبح الثامنة استحب الشافعي رحمه الله أن يتصدق بالفاضل الذي لا يبلغ شاة أخرى ولا يأكل منه شيئا وفي معناه البدل الذي يذبحه وفي وجه لأبي علي الطبري لا يجوز أكله منه لتعديه بالإتلاف‏.‏

التاسعة إذا جعل شاته أضحية أو نذر أن يضحي بمعينة ثم ذبحها قبل يوم النحر لزمه التصدق بلحمها ولا يجوز له أكل شيء منه ويلزمه ذبح مثلها يوم التحر بدلا عنها وكذا لو ذبح الهدي المعين قبل بلوغ المنسك تصدق بلحمه وعليه البدل ولو باع الهدي أو الأضحية المعينين فذبحها المشتري واللحم باق أخذه البائع وتصدق به وعلى المشترى أرش ما نقص بالذبح ويضم البائع إليه ما يشترى به البدل‏.‏

وفي وجه لا يغرم المشتري شيئا لأن البائع سلطه والصحيح الأول ولو ذبح أجنبي الأضحية المعينة قبل يوم النحر لزمه ما نقص من القيمة بسبب الذبح ويشبه أن يجيء خلاف في أن اللحم يصرف إلى مصارف الضحايا أم ينفك عن حكم الأضحية ويعود ملكه كما سنذكر مثله إن شاء الله تعالى فيما لو ذبح الأجنبي يوم النحر وقلنا لا يقع ضحية ثم ما حصل من الأرش من اللحم إن عاد ملكا له اشترى به أضحية يذبحها يوم النحر‏.‏

ولو نذر أضحية ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي قبل يوم النحر أخذ اللحم ونقصان العاشرة لو ذبح أجنبي أضحية معينة ابتداء في وقت التضحية أو هديا معينا بعد بلوغه المنسك فالمشهور أنه يقع الموقع فيأخذ صاحب الأضحية لحمها ويفرقه لأنه مستحق الصرف إلى هذه الجهة فلا يشترط فعله كرد الوديعة ولأن ذبحها لا يفتقر إلى النية فإذا فعله غيره أجزأ كإزالة النجاسة وحكي قول عن القديم أن لصاحب الأضحية أن يجعلها عن الذابح ويغرمه القيمة بكمالها بناء على وقف العقود فإذا قلنا بالمشهور فهل على الذابح أرش ما نقص بالذبح فيه طريقان أحدهما على قولين وقيل وجهين أحدهما لا لأنه لم يفوت مقصودا بل خفف مؤنة الذبح وأصحهما وهو المنصوص وهو الطريق الثاني وبه قطع الجمهور نعم لأن إراقة الدم مقصودة وقد فوتها فصار كما لو شد قوائم شاته ليذبحها فجاء آخر فذبحها بغير إذنه فإنه يلزمه أرش النقص وقال الماوردي عندي أنه إذا ذبحها وفي الوقت سعة لزمه الأرش وإن لم يبق إلا ما يسع ذبحها فذبحها فلا أرش لتعين الوقت وإذا أوجبنا الأرش فهل هو للمضحي لأنه ليس من عين الأضحية ولا حق للمساكين في غيرها أم للمساكين لأنه بدل نقصها وليس للمضحي إلا الأكل أم سلك به مسلك الضحايا فيه أوجه‏.‏

أصحها الثالث فعلى هذا يشترى به شاة فإن لم تتيسر عاد الخلاف السابق أنه يشترى به جزء ضحية أو لحم أو يفرق نفسه هذا كله إذا ذبح الأجنبي واللحم باق فإن أكله أو فرقه في مصارف الضحية وتعذر استرداده فهو كالإتلاف بغير ذبح لأن تعيين المصروف إليه إلى المضحي فعليه الضمان والمالك يشترى بما يأخذه أضحية وفي وجه تقع التفرقة عن المالك كالذبح والصحيح الأول وفي الضمان الواجب قولان المشهور واختيار الجمهور أنه يضمن قيمتها عند الذبح كما لو أتلفها بلا ذبح‏.‏

والثاني يضمن الأكثر من قيمتها وقيمة اللحم لأنه فرق اللحم متعديا وقيل يغرم أرش الذبح وقيمة اللحم وقد يزيد الأرش مع قيمة اللحم على قيمة الشاة وقد ينقص وقد يتساويان ولا اختصاص لهذا الخلاف بصورة الضحية بل يطرد في كل من ذبح شاة إنسان ثم أتلف لحمها هذا كله تفريع على أن الشاة التي ذبحها الأجنبي تقع ضحية فإن قلنا لا تقع فليس على الذابح إلا أرش النقص وفي حكم اللحم وجهان أحدهما أنه مستحق لجهة الأضحية‏.‏

والثاني يكون ملكا له ولو التزم ضحية أو هديا بالنذر ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي يوم النحر أو في الحرم فالقول في وقوعها عن صاحبها وفي أخذه اللحم وتصدقه به وفي غرامة الذابح أرش ما نقص بالذبح على ما ذكرنا إذا كانت معينة في الابتداء فإن كان اللحم تالفا قال صاحب التهذيب وغيره يأخذ القيمة ويملكها ويبقى الأصل في ذمته وفي هذا اللفظ ما يبين أن قولنا في صورة الإتلاف يأخذ القيمة ويشترى بها مثل الأول يريد به أن يشترى بقدرها فإن نفس النوع الثاني من أحكام الأضحية في عيبها وفيه مسائل إحداها لو قال جعلت هذه الشاة ضحية أو نذر التضحية بشاة معينة فحدث بها قبل وقت التضحية عيب يمنع ابتداء التضحية لم يلزمه شيء بسببه كتلفها ولا تنفك هي عن حكم الأضحية بل تجزئه عن التضحية ويذبحها في وقتها وفي وجه لا تجزئه بل عليه التضحية بسليمة وهو شاذ ضعيف فعلى الصحيح لو خالف فذبحها قبل يوم النحر تصدق باللحم ويلزمه أيضا التصدق بقيمتها ولا يلزمه أن يشتري بها ضحية أخرى لأنها بدل حيوان لا يجوز التضحية به ابتداءا‏.‏

ولو تعيبت يوم النحر قبل التمكن من الذبح ذبحها وتصدق بلحمها وإن تعيبت بعد التمكن ذبحها وتصدق بلحمها وعليه ذبح بدلها وتقصيره بالتأخير كالتعييب‏.‏

الثانية لو لزم ذمته ضحية بنذرر أو هدي عن قران أو تمتع أو نذر فعين شاة عما في ذمته فحدث بها عيب قبل وقت التضحية أو قبل بلوغ المنسك جرى الخلاف السابق في أنها هل تتعين إن قلنا لا فلا أثر لتعيينها وإن قلنا تتعين وهو الأصح فهل عليه ذبح سليمة فيه طريقان وقيل وجهان وقطع الجمهور بالوجوب لأن الواجب في ذمته سليم فلا يتأدى بمعيب وهل تنفك تلك المعينة عن الاستحقاق وجهان أحدهما يلزمه ذبحها والتصدق بلحمها لأنه التزمها بالتعيين وأصحهما وهو المنصوص لا تلزمه بل له تملكها وبيعها لأنه لم يلتزم التصدق بها ابتداء إنما عينها لأداء ما عليه وإنما يتأدى بها بشرط السلامة ويقرب الوجهان من وجهين فيمن عين أفضل مما عليه ثم تعيب هل يلزمه رعاية تلك الزيادة في البدل ففي وجه يلزم لالتزامه تلك الزيادة بالتعيين‏.‏

والأصح لا يلزم كما لو التزم معيبة ابتداء فهلكت بغير تعد منه‏.‏

الثالثة إذا تعيب الهدي بعد بلوغ المنسك فوجهان أحدهما يجزىء ذبحه لأنه لما وصل موضع الذبح صار كالحاصل في يد المساكين ويكون كمن دفع الزكاة إلى الإمام فتلفت في يده فإنه يقع زكاة وأصحهما لا يجزىء لأنه في ضمانه ما لم يذبح وقال في التهذيب إنتعيب بعد بلوغ المنسك والتمكن من الذبح فالأصل في ذمته وهل يتملك المعين أم يلزمه ذبحه فيه الخلاف وإن تعيب قبل التمكن فوجهان أصحهما أنه كذلك والثاني يكفيه ذبح المعيب والتصدق به ويقرب من الوجهين الأولين الوجهان السابقان فيمن شد قوائم الشاة للتضحية فاضطربت وانكسرت رجلها ورأى الإمام تخصيصهما بمن عين عن نذر في الذمة والقطع بعدم الإجزاء إن كانت تطوعا‏.‏

قلت‏:‏ قال صاحب البحر لو مات أو سرق بعد وصوله الحرم أجزأه على الوجه الأول والله أعلم‏.‏

الرابعة لو قال لمعيبة بعور ونحوه جعلت هذه ضحية أو نذر أن يضحي بها ابتداء وجب ذبحها لالتزامه كمن أعتق عن كفارته معيبا يعتق ويثاب عليه وإن كان لا يجزىء عن الكفارة ويكون ذبحها قربة وتفرقة لحمها صدقة ولا تجزىء عن الهدايا والضحايا المشروعة لأن السلامة معتبرة فيها وهل يختص ذبحها بيوم النحر وتجري مجرى الضحايا في المصرف وجهان أحدهما لا لأنها ليست أضحية بل شاة لحم وأصحهما نعم لأنه أوجبها باسم الأضحية ولا محمل لكلامه إلا هذا فعلى هذا لو ذبحها قبل يوم النحر تصدق بلحمها ولا يأكل منه شيئا وعليه قيمتها يتصدق بها ولا يشتري أخرى لأن المعيب لا يثبت في الذمة قاله في التهذيب ولو أشار إلى ظبية وقال جعلت هذه ضحية فهو لاغ ولو أشار إلى فصيل أو سخلة وقال هذه أضحية فهل هو كالظبية أم كالمعيب وجهان أصحهما الثاني وإذا أوجبه معيبا ثم زال العيب فهل يجزىء ذبحه عن الأضحية وجهان أصحهما لا لأنه زال ملكه عنه وهو ناقص فلا يؤثر الكمال بعده كمن أعتق أعمى عن كفارته ثم عاد بصره والثاني يجوز لكماله وقت الذبح وحكى هذا قولا قديما الخامسة لو كان في ذمته أضحية أو هدي بنذر أو غيره فعين معينة عما عليه لم تتعين ولا تبرأ ذمته بذبحها‏.‏

وهل يلزمه بالتعيين ذبح المعينة نظر إن قال عينت هذه عما في ذمتي لم يلزمه وإن قال لله علي أن أضحي بهذه عما في ذمتي أو أهدي هذه أو قال لله علي ذبحها عن الواجب في ذمتي لزمه على الأصح كالتزامه ابتداء ذبح معيبة ويكون كإعتاقه الأعمى عن الكفارة ينفذ ولا يجزىء فعلى هذا هل يختص ذبحها بوقت التضحية إن كانت ضحية فيه الوجهان السابقان ولو زال عيب المعينة المعيبة قبل ذبحها فهل تحصل البراءة فيه الوجهان السابقان‏.‏

السادسة هذا الذي سبق كله فيما إذا تعيبت لا بفعله فلو تعيبت المعينة ابتداء أو عما في الذمة بفعله لزمه ذبح صحيحة وفي انفكاك المعيبة عن حكم الالتزام الخلاف السابق‏.‏

السابعة لو ذبح الأضحية المنذورة يوم النحر أو الهدي المنذور بعد بلوغ المنسك ولم يفرق لحمه حتى فسد لزمه قيمة اللحم ويتصدق بها ولا يلزمه شراء أخرى لأنه حصلت إراقة الدم وكذا لو غصب اللحم غاصب وتلف عنده أو أتلفه متلف يأخذ القيمة ويتصدق بها‏.‏

الثامنة لو نذر التضحية بمعيبة غير معينة كقوله لله علي أن أضحي بشاة عرجاء فثلاثة أوجه أصحها فيما يقتضيه كلام الغزالي يلزمه ما التزم والثاني يلزمه صحيحة والثالث لا يلزمه شيء ويشبه أن يكون الحكم في لزوم ذبحها والتصدق بلحمها وفي أنها ليست من الضحايا وفي أن مصرفها هل هو مصرف الضحايا على ما سبق فيمن قال جعلت هذه المعيبة ضحية‏.‏

ولو التزم التضحية بظبية أو فصيل ففيه الترتيب الذي تقدم في المعينة ويشبه أن يجيء الخلاف النوع الثالث في ضلالها وفيه مسائل إحداها إذا ضل هديه أو ضحيته المتطوع بها لم يلزمه شىء‏.‏

قلت‏:‏ لكن يستحب ذبحها إذا وجدها والتصدق بها ممن نص عليه القاضي أبو حامد فإن ذبحها بعد أيام التشريق كانت شاة لحم يتصدق بها والله أعلم‏.‏

الثانية الهدي الملتزم معينا يتعين ابتداءا إذا ضل بغير تقصيره لم يلزمه ضمانه فإن وجده ذبحه والأضحية إن وجدها في وقت التضحية ذبحها وإن وجدها بعد الوقت فله ذبحها قضاء ولا يلزمه الصبر إلى قابل وإذا ذبحها صرف لحمها مصارف الضحايا وفي وجه لابن أبي هريرة يصرفه إلى المساكين فقط ولا يأكل ولا يدخر وهو شاذ ضعيف‏.‏

الثالثة مهما كان الضلال بغير تقصيره لم يلزمه الطلب إن كان فيه مؤنة فإن لم تكن لزمه وإن كان بتقصيره لزمه الطلب فإن لم يجد لزمه الضمان فإن علم أنه لا يجدها في أيام التشريق لزمه ذبح بدلها في أيام التشريق وتأخير الذبح إلى مضي أيام التشريق بلا عذر تقصير يوجب الضمان وإن مضى بعض أيام التشريق ثم ضلت فهل هو تقصير وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأرجح أنه ليس بتقصير كمن مات في أثناء وقت الصلاة الموسع لا يأثم على الأصح والله أعلم‏.‏

الرابعة إذا عين هديا أو أضحية عما في ذمته فضلت المعينة قال الإمام هو كما لو تلفت هذه المعينة وفي وجوب البدل وجهان وذكرنا هناك حال هذا الخلاف وما في إطلاق لفظ البدل من التوسع وقال الجمهور يلزم إخراج البدل الملتزم فإن ذبح واحدة عما عليه ثم وجد الضالة فهل يلزم ذبحها وجهان وقيل قولان أصحهما في التهذيب لا يلزمه بل يتملكها كما سبق فيما لو تعيبت‏.‏

والثاني يلزمه وقطع به في الشامل لإزالة ملكه بالتعيين ولم يخرج عن صفة الإجزاء بخلاف المعيبة فلو عين عن الضالة واحدة ثم وجدها قبل ذبح البدل فأربعة أوجه أحدها يلزمه ذبحهما معا والثاني يلزمه ذبح البدل فقط والثالث ذبح الأول فقط والرابع يتخير فيهما‏.‏

قلت‏:‏ الأصح الثالث والله أعلم‏.‏

 فصل تعيين شاة عن أضحية

لو عين شاة عن أضحية في ذمته وقلنا تتعين فضحى بأخرى ذمته قال الإمام يخرج على أن المعينة لو تلفت هل تبرأ ذمته إن قلنا نعم لم تقع الثانية عما عليه كما لو قال جعلت هذه أضحية ثم ذبح بدلها وإن قلنا لا وهو الأصح ففي وقوع الثانية ما عليه تردد فإن قلنا تقع عنه فهل تنفك الأولى عن الاستحقاق فيه الخلاف السابق‏.‏

لو عين من عليه كفارة عبدا عنه ففي تعيينه خلاف وقطع أبو حامد بالتعيين‏.‏

قلت‏:‏ الأصح التعيين والله أعلم‏.‏

فإن تعيب المعين لزمه إعتاق سليم ولو مات المعين بقيت ذمته مشغولة بالكفارة وإن أعتق عبدا أجزأ عن كفارته مع التمكن من إعتاق المعين فالظاهر براءة ذمته قوله الظاهر أي من الوجهين‏.‏

النوع الرابع في الأكل من الأضحية والهدي وفيه فصلان الأول في الأكل من الواجب فكل هدي وجب ابتداء من غير التزام كدم التمتع والقران وجبرانات الحج لا يجوز الأكل منه فلو أكل منه غرم ولا تجب إراقة الدم ثانيا وفيما يغرمه أوجه أصحها وهو نصه في القديم يغرم قيمة اللحم كما لو أتلفه غيره والثاني يلزمه مثل ذلك اللحم والثالث يلزمه شراء شقص من حيوان مثله ويشارك في ذبحه لأن ما أكله بطل حكم إراقة الدم فيه فصار كما لو ذبحه وأكل الجميع فإنه يلزمه دم آخر وأما الملتزم بالنذر من الضحايا والهدايا فإن عين بالنذر عما في ذمته من دم حلق وتطيب أو غيرهما شاة لم يجز له الأكل منها كما لو ذبح شاة بهذه النية بغير نذر وكالزكاة‏.‏

وإن نذر نذر مجازاة كتعليقه التزام الهدي أو الأضحية بشفاء المريض ونحوه لم يجز الأكل أيضا كجزاء الصيد ومقتضى كلامهم أنه لا فرق بين كون الملتزم معينا أو مرسلا في الذمة ثم يذبح عنه فإن أطلق الالتزام فلم يعلقه بشىء وقلنا بالمذهب إنه يلزمه الوفاء فإن كان الملتزم معينا بأن قال الثالثة يجوز الأكل من الأضحية دون الهدي حملا لكل واحد على المعهود الشرعي ومن هذا القبيل ما إذا قال جعلت هذه الشاة ضحية من غير تقدم التزام أما إذا التزم في الذمة ثم عين شاة عما عليه فإن لم نجوز الأكل في المعينة ابتداء فهنا أولى وإلا فقولان أو وجهان هكذا

 فصل حكم الأكل في الملتزم

كثيرون من المعتبرين وهو المذهب وأطلق جماعة وجهين ولم يفرقوا بين نذر المجازاة وغيره ولا بين الملتزم المعين والمرسل وبالمنع قال أبو إسحق قال المحاملي وهو المذهب والجواز اختيار القفال والإمام قال في العدة وهو المذهب ويشبه أن يتوسط فيرجح في المعين الجواز وفي المرسل المنع سواء عينه عنه ثم ذبح أو ذبح بلا تعيين لأنه عن دين في الذمة فأشبه الجبرانات وإلى هذا ذهب صاحب الحاوي وهو مقتضى سياق الشيخ أبي علي وحيث منعنا الأكل في المنذور فأكل ففيما يغرمه الأوجه الثلاثة السابقة في الجبرانات وحيث جوزنا ففي قدر ما يأكله القولان في أضحية التطوع هكذا قاله في التهذيب‏.‏

ولك أن تقول ذاك الخلاف في قدر المستحب أكله ولا يبعد أن يقال لا يستحب الأكل وأقل ما في تركه الخروج من الخلاف‏.‏

 الفصل الثاني في الأكل من الأضحية والهدي المتطوع بهما

وليس له أن يتلف منهما شيئا بل يأكل ويطعم ولا يجوز بيع شيء منهما ولا أن يعطي الجزار شيئا منهما أجرة له بل مؤنة الذبح على المضحي والمهدي كمؤنة الحصاد ويجوز أن يعطيه منهما شيئا لفقره جو يطعمه إن كان غنيا ولا يجوز تمليك الأغنياء منهما وإن جاز إطعامهم ويجوز تمليك الفقراء منهما ليتصرفوا فيه بالبيع وغيره بل لو أصلح الطعام ودعا إليه الفقراء قال الإمام الذي ينقدح عندي إذا أوجبنا التصدق بشىء أنه لا بد من التمليك كما في الكفارات وكذا صرح به الروياني فقال لا يجوز أن يدعو الفقراء ليأكلوه مطبوخا لأن حقهم في تملكه فإن دفع مطبوخا لم يجز بل يفرقه نيئا فإن المطبوخ كالخبز في الفطرة‏.‏

وهل يشترط التصدق بشىء منهما أم يجوز أكل الجميع وجهان أحدهما يجوز أكل الجميع قاله ابن سريج وابن القاص والاصطخري وابن الوكيل وحكاه ابن القاص عن نصه قالوا ويحصل الثواب بإراقة الدم بنية القربة وأصحهما يجب التصدق بقدر ينطلق عليه الاسم لأن المقصود إرفاق المساكين فعلى هذا إن أكل الجميع لزمه ضمان ما ينطلق عليه الاسم وفي قول أو وجه يضمن القدر الذي يستحب أن لا ينقص في التصدق عنه وسيأتي فيه قولان هل هو النصف أم الثلث وحكى ابن كج والماوردي وجها أنه يضمن الجميع بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها لأنه بأكله الكل عدل عن حكم الضحية فكأنه أتلفها وينسب هذا إلى أبي إسحق وابن أبي هريرة فإن أخره أيام التشريق ففي إجزائه وجهان وفي جواز الأكل من البدل وجهان وهذا الوجه المذكور عن ابن كج وما تفرع‏:‏ عليه شاذ ضعيف والمعروف ما سبق من الخلاف ثم ما يضمنه على الخلاف السابق لا يتصدق به ورقا وهل يلزمه صرفه إلى شقص أضحية أم يكفي صرفه إلى اللحم وتفرقته وجهان‏.‏

وعلى الوجهين يجوز تأخير الذبح والتفريق عن أيام التشريق لأن الشقص ليس بأضحية فلا يعتبر فيه وقتها ولا يجوز أن يأكل منه‏.‏

فرع الإفضل في هدي التطوع الأفضل والأحسن في هدي التطوع وأضحيته التصدق بالجميع إلا لقمة أو لقما يتبرك بأكلها فإنها مسنونة وحكى في الحاوي عن أبي الطيب بن سلمة أنه لا يجوز التصدق بالجميع بل يجب أكل شيء وفي القدر الذي يستحب أن لا نقص التصدق عنه قولان القديم يأكل النصف ويتصدق بالنصف واختلفوا في التعيين عن الجديد فنقل جماعة عنه أنه يأكل الثلث ويتصدق بالثلثين ونقل آخرون عنه أنه يأكل الثلث ويهدي إلى الأغنياء الثلث ويتصدق بالثلث وكذا حكاه الشيخ أبو حامد ثم قال ولو تصدق بالثلثين كان أحب ويشبه أن لا يكون اختلاف في الحقيقة لكن من والمفهوم من كلام الأصحاب أن الهدية لا تغني عن التصدق بشىء إذا أوجبناه وأنها لا تحسب من القدر الذي يستحب التصدق به ويجوز صرف القدر الذي لا بد منه إلى مسكين واحد بخلاف الزكاة‏.‏

فرع الادخار من لحم الأضحية يجوز أن يدخر من لحم الأضحية وكان ادخارها فوق ثلاثة أيام نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن فيه قال الجمهور كان نهي تحريم وقال أبو علي الطبري يحتمل التنزيه وذكروا على الأول وجهين في أن النهي كان عاما ثم نسخ أم كان مخصوصا بحالة الضيق الواقع في تلك السنة فلما زالت انتهى التحريم ووجهين على الثاني في أنه لو حدث مثل ذلك في زماننا وبلادنا هل يحكم به والصواب المعروف أنه لا يحرم اليوم بحال وإذا أراد الادخار فالمستحب أن يكون من نصيب الأكل لا من نصيب الصدقة والهدية وأما قول الغزالي في الوجيز يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث فبعيد منكر نقلا ومعنى فإنه لا يكاد يوجد في كتاب متقدم ولا متأخر والمعروف الصواب ما قدمناه‏.‏

قلت‏:‏ قال الشافعي رحمه الله في المبسوط أحب أن لا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث أن يهدي الثلث ويتصدق بالثلث هذا نصه بحروفه وقد نقله أيضا القاضي أبو حامد في جامعه ولم يذكر غيره وهذا تصريح بالصواب ورد لما قاله الغزالي والله أعلم‏.‏

النوع الخامس الانتفاع بها وما في معناه أو يخالفه وفيه مسائل إحداها لا يجوز بيع جلد الأضحية ولا جعله أجرة للجزار وإن كانت تطوعا بل يتصدق به المضحي أو يتخذ منه ما ينتفع بعينه من خف أو نعل أو دلو أو فرو أو يعيره لغيره ولا يؤجره وحكى صاحب التقريب قولا غربيا أنه يجوز بيع الجلد ويصرف ثمنه مصرف الأضحية وحكي وجه أنه لا يجوز أن ينفرد بالانتفاع بالجلد لأنه نوع يخالف الانتفاع باللحم فيجب التشريك فيه كالانتفاع باللحم والمشهور الأول ولا فرق في تحريم البيع بين بيعه بشىء ينتفع به في البيت وغيره‏.‏

الثانية التصدق بالجلد لا يكفي إذا أوجبنا التصدق بشىء من الأضحية والقرن كالجلد‏.‏

الثالثة لا يجز صوفها إن كان في بقائه مصلحة لدفع حر أو برد أو كان وقت الذبح قريبا ولم يضر بقاؤه وإلا فيجزه وله الانتفاع به والأفضل التصدق وفي التتمة أن صوف الهدي يستصحبه ويتصدق به على مساكين الحرم كالولد‏.‏

الرابعة إذا ولدت الأضحية أو الهدي المتطوع بهما فهو ملكه كالأم ولو ولدت المعينة بالنذر ابتداء تبعها الولد سواء كانت حاملا عند التعيين أم حملت بعده فإن ماتت الأم بقي الولد أضحية كولد المدبرة لا يرتفع تدبيره بموتها ولو عينها بالنذ على ما في ذمته فالصحيح أن حكم ولدها كولد المعينة بالنذر ابتداء وفي وجه لا يتبعها بل هو ملك للمضحي أو المهدي لأن ملك الفقراء غير مستقر في هذه فإنها لو عابت عادت إلى ملكه وفي وجه يتبعها ما دامت حية فإن ماتت لم يبق حكم الأضحية في الولد والصحيح بقاؤه والخلاف جار في ولد الأمة المبيعة إذا ماتت في يد البائع وإذا لم يطق ولد الهدي المشي يحمل على أمه أو غيرها ليبلغ الحرم ثم إذا ذبح الأم والولد ففي تفرقة لحمهما أوجه‏.‏

أحدها لكل واحد منهما حكم ضحية فيتصدق من كل واحد بشىء لأنهما ضحيتان‏.‏

والثاني يكفي التصدق من أحدهما لأنه بعضها‏.‏

والثالث لا بد من التصدق من لحم الأم لأنها الأصل وهذا هو الأصح عند الغزالي وقال الروياني الأول أصح ويشترك الوجهان الأخيران في جواز أكل جميع الولد ولو ذبحها فوجد في بطنها جنينا فيحتمل أن يطرد فيه هذا الخلاف ويحتمل القطع بأنه بعضها‏.‏

قلت‏:‏ ينبغي أن يبنى على الخلاف المعروف في أن الحمل له حكم وقسط من الثمن أم لا إن قلنا لا فهو بعض كيدها وإلا فالظاهر طرد الخلاف ويحتمل القطع بأنه بعض والأصح على الجملح أنه يجوز أكل جميعه والله أعلم‏.‏

الخامسة لبن الأضحية والهدي لا يحلب إن كان قدر كفاية ولدها فإن حلبه فنقص الولد ضمن النقص وإن فضل عن ري الولد حلب ثم قال الجمهور له شربه لأنه يشق نقله ولأنه يستخلف بخلاف الولد وفي وجه لا يجوز شربه وقال صاحب التتمة إن لم نجوز أكل لحمها لم يشربه وينقل لبن الهدي إلى مكة إن تيسر أو أمكن تجفيفه وإلا فيتصدق به على الفقراء هناك وإن جوزنا اللحم شربه‏.‏

السادسة يجوز ركوبهما وإركابهما بالعارية والحمل عليهما من غير إجحاف فإن نقصا بذلك ضمن ولا تجوز إجارتهما‏.‏

السابعة لو اشترى شاة فجعلها ضحية ثم وجد بها عيبا قديما لم يجز ردها لزوال الملك عنها كمن اشترى عبدا فأعتقه ثم علم به عيبا لكن يرجع على البائع بالأرش وفيما يفعل به وجهان أحدهما يصرف مصرف الأضحية فينظر أيمكنه أن يشتري به ضحية أو جزءا أم لا ويعود فيه ما سبق في نظائره وفرقوا بينه وبين أرش العيب بعد إعتاق العبد فإنه للذي أعتقه بأن المقصود من العتق تكميل الأحكام والعيب لا يؤثر فيه‏.‏

والمقصود من الأضحية اللحم ولحم المعيب ناقص والوجه الثاني أنه للمضحي لا يلزمه صرفه للأضحية لأن الأرش بسبب سابق للتعيين وبالوجه الأول قاله الأكثرون لكن الثاني أقوى ونسبه قلت‏:‏ قد نقل في الشامل هذا الثاني عن أصحابنا مطلقا ولم يحك فيه خلافا فهو الصحيح والله أعلم‏.‏

 فصل في مسائل منثورة

إحداها قال ابن المرزبان من أكل بعض لحم وتصدق ببعضها هل يثاب على الكل أو على ما تصدق به وجهان كالوجهين فيمن نوى صوم التطوع ضحوة هل يثاب من أول النهار أم من وقته وينبغي أن يقال له ثواب التضحية بالكل والتصدق بالبعض‏.‏

قلت‏:‏ هذا الذي قاله الرافعي هو الصواب الذي تشهد به الأحاديث والقواعد وممن جزم به تصريحا الشيخ الصالح إبرهيم المروروذي والله أعلم‏.‏

الثانية في جواز الصرف من الأضحية إلى المكاتب وجهان في وجه يجوز كالزكاة‏.‏

قلت‏:‏ الأصح الجواز ودلله أعلم‏.‏

الثالثة قال ابن كج من ذبح شاة وقال أذبح لرضى فلان حلت الذبيحة لأنه لا يتقرب إليه بخلاف من تقرب بالذبح إلى الصنم وذكر الروياني أن من ذبح للجن وقصد به التقرب إلى الله تعالى ليصرف شرهم عنه فهو حلال وإن قصد الذبح لهم فحرام‏.‏

الرابعة قال في البحر قال أبو إسحق من نذر الأضحية في عام فأجر عصى ويقضي كمن أخر الصلاة‏.‏

الخامسة قال الروياني من ضحى بعدد فرقه على أيام الذبح فإن كان شاتين ذبح شاة في اليوم الأول والأخرى في آخر الأيام‏.‏

قلت‏:‏ هذا الذي قاله وإن كان أرفق بالمساكين إلا أنه خلاف السنة فقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم واحد مائة بدنة أهداها فالسنة التعجيل والمسارعة إلى الخيرات والمبادرة بالصالحات إلا ما ثبت خلافه والله أعلم‏.‏

السادسة محل التضحية بلد المضحي بخلاف الهدي وفي نقل الأضحية وجهان تخريجا من نقل الزكاة‏.‏

السابعة الأفضل أن يضحي في بيته بمشهد أهله وفي الحاوي أنه يختار للإمام أن يضحي للمسلمين كافة من بيت المال ببدنة ينحرها في المصلى فإن لم يتيسر فشاة وأنه يتولى النحر بنفسه وإن ضحى من ماله ضحى حيث شاء‏.‏

قلت‏:‏ قال الشافعي رحمه الله في البويطي الأضحية سنة على كل من وجد السبيل من المسلمين من أهل المدائن والقرى والحاضر والمسافر والحاج من أهل مني وغيرهم من كان معه هدي ومن لم يكن هذا نصه بحروفه وفيه رد على ما حكاه العبدري في كتابه الكفاية أن الأضحية سنة إلا في حق الحاج بمنى فإنه لا أضحية عليهم لأن ما ينحر بمنى هدي وكما لا يخاطب الحاج في منى بصلاة العيد فكذا الأضحية‏.‏

وهذا الذي قاله فاسد مخالف للنص الذي ذكرته وقد صرح القاضي أبو حامد في جامعه وغيره من أصحابنا بأن أهل منى كغيرهم في الأضحية وثبت في صحيحي البخاري و مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى في منى عن نسائه بالبقر والله أعلم‏.‏

 باب العقيقة

هي سنة والمستحب ذبحها يوم السابع من يوم الولادة ويحسب من السبعة يوم الولادة على الأصح‏.‏

قلت‏:‏ وإن ولد ليلا حسب اليوم الذي يلي تلك الليلة قطعا نص عليه في البويطي ونص أنه لا يحسب اليوم الذي ولد في أثنائه والله أعلم‏.‏

ويجزىء ذبحها قبل فراغ السبعة ولا يحسب قبق الولادة بل تكون شاة لحم ولا تفوت بتأخيرها عن السبعة لكن الاختيار أن لا تؤخر إلى البلوغ قال أبو عبد الله البوشنجي من أصحابنا إن لم تذبح في السابع ذبحت في الرابع عشر وإلا ففي الحادي والعشرين وقيل إذا تكررت السبعة ثلاث مرات فات وقت الاختيار فإن أخرت حتى بلغ سقط حكمها في حق غير المولود وهو مخير في العقيقة عن نفسه واستحسن القفال والشاشي أن يفعلها ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق عن نفسه بعد النبوة ونقلوا عن نصه في البويطي أنه لا يفعل ذلك واستغربوه‏.‏

قلت‏:‏ قد رأيت نصه في نفس كتاب البويطي قال ولا يعق عن كبير هذا لفظه وليس مخالفا لما سبق لأن معناه لا يعق عن غيره وليس فيه نفي عقه عن نفسه والله أعلم‏.‏

 فصل إنما يعق عن المولود من تلزمه نفقته

وأما عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما فمؤول‏.‏

قلت‏:‏ تأويله أنه صلى الله عليه وسلم أمر أباهما بذلك أو أعطى أبويهما ما عق به لأن أبويهما كانا عند ذلك معسرين فيكونان في نفقة جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏

وإن أيسر بعدها أو بعد مدة النفاس فهي ساقطة عنه ولا يعق عن المولود من ماله فلو كان المنفق عاجزا عن العقيقة فأيسر في السبعة استحب له العق وإن أيسر في مدة النفاس ففيه

 فصل العقيقة جذعة ضأن أو ثنية معز

كالأضحية وفي الحاوي أنه يجزىء ما دونهما ويشترط سلامتهما من العيب المانع في الأضحية وفي العدة إشارة إلى وجه مسامح قال بعض الأصحاب الغنم أفضل من الإبل والبقر والصحيح خلافه كالأضحية وينبغي أن تتأدى السنة بسبع بدنة أو بقرة‏.‏

 فصل حكم العقيقة

حكم العقيقة في التصدق منها والأكل والهدية والادخار وقدر المأكول وامتناع وقيل إن جوزنا دون الجذعة لم يجب التصدق منها وجاز تخصيص الأغنياء بها‏.‏

 فصل النية عند ذبحها

ينوي عند ذبحها أنها عقيقة لكن إن جعلها عقيقة من قبل ففي الحاجة إلى النية عند الذبح ما ذكرنا في الأضحية‏.‏

 فصل يستحب أن لا يتصدق بلحمها نيئا بل يطبخه

وفي الحاوي أنا إذا لم نجوز ما دون الجذعة والثنية وجب التصدق بلحمها نيئا وكذا قال الإمام إن أوجبنا التصدق بمقدار وجب تمليكه وهو نيء والصحيح الأول وفيما يطبخه به وجهان أحدهما بحموضة ونقله في التهذيب عن النص وأصحهما بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاق المولود وعلى هذا لو طبخ بحامض ففي كراهته وجهان أصحهما لا يكره ويستحب أن لا يكسر عظام العقيقة ما أمكن فإن كسر لم يكره على الأصح والتصدق بلحمها ومرقها على المساكين بالبعث إليهم أفضل من الدعوة إليها ولو دعا إليها قوما فلا بأس‏.‏

 فصل يعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان

ويحصل أصل السنة بواحدة ويستحب أن تكون الشاتان متساويتين وأن يكون ذبح العقيقة في صدر النهار وأن يعق عمن مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح وقيل يسقط بالموت‏.‏

وأن يقول الذابح بعد التسمية اللهم لك وإليك عقيقة فلان ويكره لطخ رأس الصبي بدم العقيقة ولا بأس بلطخه بالزعفران والخلوق وقيل باستحبابه‏.‏

 فصل تسمية المولود في اليوم السابع

يستحب أن يسمى المولود في اليوم السابع ولا بأس بأن يسمى واستحب بعضهم أن لا يفعله ولا يترك تسمية السقط ولا من مات قبل تمام السبعة ولتكن التسمية باسم حسن وتكره الأسماء القبيحة وما يتطير بنفيه كنافع ويسار وأفلح ونجيح وبركة‏.‏

 فصل حلق رأس المولود

يستحب أن يحلق رأس المولود يوم السابع ويتصدق بوزن شعره ذهبا فإن لم يتيسر ففضة سواء فيه الذكر والأنثى قال في التهذيب يحلق بعد الذبح والذي رجحه الروياني ونقله عن النص أنه يكون قبل الذبح‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا قطع المحاملي في المقنع وبالأول قطع صاحب المهذب والجرجاني في التحرير وفي الحديث إشارة إليه فهو أرجح والله أعلم‏.‏

 فصل الأذان في أذن المولود

يستحب أن يؤذن من ولد له ولد في أذنه وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا ولد له ولد أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى واستحبه بعض أصحابنا ويستحب أن يقول في أذنه إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم وأن يحنكه بتمر بأن يمضغه ويدلك به حنكه فإن لم

 فصل في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا فرع

ولا فالفرع‏:‏ بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها والعتيرة بفتح العين المهملة ذبيحة كانوا يذبحونها في الشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية أيضا وذكر ابن كج وغيره فيهما وجهين أحدهما تكرهان للخبر‏.‏

والثاني لا كراهة فيهما والمنع راجع إلى ما كانوا يفعلونه وهو الذبح لآلهتهم أو أن المقصود نفي الوجوب أو أنهما ليستا كالأضحية في الاستحباب أو في ثواب إراقة الدم فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة وحكي أن الشافعي رحمه الله قال إن تيسر ذلك كل شهر كان حسنا‏.‏

قلت‏:‏ هذا النص للشافعي رحمه الله في سنن حرملة والحديث المذكور في أول الفصل في صحيح البخاري وغيره وفي سنن أبي داود وغيره حديث آخر يقتضي الترخيص فيهما بل ظاهره الندب فالوجه الثاني يوافقه وهو الراجح واعلم أن الإمام الرافعي رحمه الله ترك مسائل مهمة تتعلق بالباب إحداها يكره القزع وهو حلق بعض الرأس سواء كان متفرقا أو من موضع واحد لحديث الصحيحين بالنهي عنه‏.‏

وقد اختلف في حقيقة القزع والصحيح ما ذكرته وأما حلق جميع الرأس فلا بأس به لمن لا يخف عليه تعاهده ولا بأس بتركه لمن خف عليه‏.‏

الثانية يستحب فرق شعر الرأس‏.‏

الثالثة يستحب الادهان غبا أي وقتا بعد وقت بحيث يجف الأول‏.‏

الرابعة يستحب الاكتحال وترا والصحيح في معناه ثلاثا في كل عين‏.‏

والخامسة تقليم الأظفار وإزالة شعر العانة بحلق أو نتف أو قص أو نورة أو غيرها والحلق أفضل ويستحب إزالة شعر الإبط بأحذ هذه الأمور والنتف أفضل لمن قوي عليه ويستحب قص الشارب بحيث يبين طرف الشفة بيانا ظاهرا ويبدأ في هذه كلها باليمين ولا يؤخرها عن وقت الحاجة ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يوماً للحديث في صحيح مسلم بالنهي عن ذلك‏.‏

السادسة من السنة غسل البراجم وهي عقد الأصابع ومفاصلها ويلتحق بها إزالة ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وصماخها وفي الأنف وسائر البدن‏.‏

السابعة خضاب الشعر الشائب بحمرة أو صفرة سنة وبالسواد حرام وقيل مكروه وأما خضاب اليدين والرجلين فمستحب في حق النساء كما سبق في باب الإحرام وحرام في حق الرجال إلا الثامنة يستحب ترجيل الشعر وتسريح اللحية ويكره نتف الشيب‏.‏

التاسعة ذكر الغزالي وغيره في اللحية عشر خصال مكروهة خضابها بالسواد إلا للجهاد وتبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة ونتفها أول طلوعها إيثارا للمرودة وحسن الصورة ونتف الشيب وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسنا والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك وتركها شعثة إظهارا لقلة المبالاة بنفسه والنظر في بياضها وسوادها إعجابا وافتخارا ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب‏.‏

العاشرة في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن وإذا سمي إنسان باسم قبيح فالسنة تغييره وينبغي للولد والتلميذ والغلام أن لا يسمي أباه ومعلمه وسيده باسمه ويستحب تكنية أهل الفضل من الرجال والنساء سواء كان له ولد أم لا وسواء كني بولده أم بغيره ولا بأس بكنية الصغيرة وإذا كني من له أولاد فالسنة أن يكنى بأكبرهم ونص الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز التكني بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدا أم غيره للحديث الصحيح في ذلك وسنوضحه في أول النكاح إن شاء الله تعالى ولا بأس بمخاطبة الكافر والمبتدع والفاسق بكنيته إذا لم يعرف بغيرها أو خيف من ذكره باسمه فتنة وإلا فينبغي أن لا يزيد على الاسم والأدب أن لا يذكر الإنسان كنيته في كتابه ولا غيره إلا أن لا يعرف بغيرها أو كانت أشهر من اسمه ولا بأس بترخيم الاسم إذا لم يتأذ صاحبه ولا بتلقيب الإنسان بلقب لا يكره‏.‏

واتفقوا على تحريم تلقيبه بما يكرهه سواء كان صفة له كالأعمش والأعرج أو لأبيه أو لأمه أو غير ذلك ويجوز ذكره بذلك للتعريف لمن لا يعرفه بغيره ناويا التعريف فقط وثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الباب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا وأطفئوا مصابيحكم وفي رواية لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء وفي رواية لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون‏.‏

فهذه سنن ينبغي المحافظة عليها و جنح الليل بضم الجيم وكسرها ظلامه وقوله صلى الله عليه وسلم تعرضوا عليها شيئا بضم الراء على المشهور وقيل بكسرها أي تجعلوه عرضا وقوله صلى الله عليه وسلم لا ترسلوا فواشيكم هي بالفاء جمع فاشية وهو كل ما ينشر من المال كالبهائم

 كتاب الصيد والذبائح

الحيوان المأكول إنما يصير مذكى بأحد طريقين أحدهما الذبح في الحلق واللبة وذلك في الحيوان المقدور عليه والثاني العقر المزهق في أي موضع كان وذلك في غير المقدور عليه ثم الذبح والعقر أربعة أركان‏.‏

الأول الذابح والعاقر يشترط كونه مسلما أو كتابيا وتحل ذبيحة الكتابي سواء فيه ما يستحله الكتابي وما لا وحقيقة الكتابي تأتي في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى وفي ذبيحة المتولد بين الكتابي والمجوسية قولان كمناكحته والمناكحة والذبيحة لا يفترقان إلا أن الأمة الكتابية تحل ذبيحتها دون مناكحتها ولو صاد مجوسي سمكة حلت لأن ميتتها حلال وكما تحرم ذبيحة المجوسي والوثني والمرتد وغيرهم ممن لا كتاب له يحرم صيده بسهم أو كلب ويحرم ما يشارك فيه مسلما فلو أمرا سكينا على حلق شاة أو قطع هذا بعض الحلقوم وهذا بعضه أو قتلا صيدا بسهم أو كلب فهو حرام‏.‏

ولو رميا سهمين أو أرسلا كلبين فإن سبق سهم المسلم أو كلبه فقتل الصيد أو أنهاه إلى حركة المذبوح حل كما لو ذبح مسلم شاة ثم قدها المجوسي وإن سبق ما أرسله المجوسي أو جرحاه معا أو مرتبا ولم يذفف واحد منهما فهلك بهما أو لم يعلم أيهما قتله فحرام وقال صاحب البحر متى اشتركا في إمساكه وعقره أو في أحدهما وانفرد واحد بالآخر أو انفرد كل واحد بأحدهما فحرام‏.‏

ولو كان لمسلم كلبان معلم وغيره أو معلمان ذهب أحدهما بلا إرسال فقتلا صيدا فكاشتراك كلبي المسلم والمجوسي ولو هرب الصيد من كلب المسلم فعارضه كلب مجوسي فرده عليه فقتله كلب المسلم حل كما لو ذبح المسلم شاة أمسكها مجوسي ولو جرحه مسلم أولا ثم قتله مجوسي أو جرحه جرحا غير مذفف ومات بالجرحين فحرام فلو كان المسلم أثخنه بجراحته فقد ملكه ويلزم المجوسي قيمته له لأنه أفسده بجعله ميتة ويحل ما اصطاده المسلم بكلب المجوسي كالذبح بسكينه‏.‏

قلت‏:‏ لو أكره مجوسي مسلما على ذبح شاة أو محرم حلالا على ذبح صيد فذبح حل ذكره الشيخ إبرهيم المروزي في مسألة الإكراه على القتل والله أعلم‏.‏

فرع ذبيحة الصبي المميز تحل ذبيحة الصبي المميز على الصحيح وفي غير المميز والمجنون أحدهما الحل كمن قطع حلق شاة يظنه خشبة والثاني المنع كنائم بيده سكين وقعت على حلقوم شاة وصحح الإمام والغزالي وجماعة الثاني وقطع الشيخ أبو حامد وصاحب المهذب بالحل قلت‏:‏ الأظهر الحل والله أعلم‏.‏

قال صاحب التهذيب فإن كان للمجنون أدنى تمييز وللسكران قصد حل قطعا وتحل ذبيحة الأعمى قطعا لكن تكره وفي صيده بالكلب والرمي وجهان أصحهما لا يحل ومنهم من قطع به وقيل عكسه والأشبه أن الخلاف مخصص بما إذا أخبره بصير الصيد فأرسل السهم أو الكلب وكذا صورها في التهذيب وأطلق الوجهين جماعة ويجريان في اصطياد الصبي والمجنون بالكلب والسهم‏.‏

وقيل يختصان بالكلب وقطع بالحل في السهم كالذبح‏.‏

فرع ذبيحة الأخرس الأخرس إن كان له إشارة مفهومة حلت ذبيحته وإلا فكالمجنون قاله في التهذيب ولتكن سائر تصرفاته على هذا القياس‏.‏

قلت‏:‏ الأصح الجزم بحل ذبيحة الأخرس الذي لا يفهم وبه قطع الأكثرون والله أعلم‏.‏

الحيوان ثلاثة أقسام‏:‏ الأول ما لا يؤكل والثاني مأكول يحل ميته والثالث مأكول لايحل ميته فالأول ذبحه كموته والثاني كالسمك والجراد ولا حاجة إلى ذبحه وهل يحل أكل السمك الصغار إذا شويت ولم يشق جوفها ويخرج ما فيه فيه وجهان وجه الجواز عسر تتبعها وعلى المسامحة بها جرى الأولون قال الروياني بهذا أفتي ورجيعها طاهر عندي وهو اختيار القفال ولو وجدت سمكة في جوف سمكة فهي حلال كما لو ماتت حتف أنفها بخلاف ما لو ابتلعت طائرا فوجد ميتا في جوفها لا يحل ولو تقطعت السمكة في جوف سمكة وتغير لونها لم تحل على الأصح لأنها كالروث والقيء ويكره ذبح السمك إلا أن يكون كبيرا يطول بقاؤه فيستحب ذبحه على الأصح إراحة له وقيل يستحب تركه ليموت بنفسه ولو ابتلع سمكة حية أو قطع فلقة منها لم يحرم على الأصح لكن يكره‏.‏

قلت‏:‏ وطردوا الوجهين في الجراد ولو ذبح مجوسي سمكة حلت ولو قلى السمك قبل موته فطرحه في الزيت المغلي وهو يضطرب قال الشيخ أبو حامد لا يحل فعله لأنه تعذيب وهذا تفريع على اختياره في ابتلاع السمكة حية أنه حرام‏.‏

وعلى إباحة ذلك يباح هذا والله أعلم‏.‏

أما القسم الثالث فضربان مقدور على ذبحه ومتوحش فالمقدور عليه لا يحل إلا بالذبح في الحلق واللبة كما سبق في كتاب الأضحية وسواء الإنسي والوحشي إذا ظفر به وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه مذبح ما دام متوحشا فلو رماه بسهم أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا من بدنه ومات حل بالإجماع ولو توحش إنسي بأن ند بعير أو شردت شاة فهو كالصيد يحل بالرمي إلى غير مذبحه وبإرسال الكلب عليه ولو تردى بعير في بئر ولم يمكن قطع حلقومه فهو كالبعير الناد في حله بالرمي وهل يحل بإرسال الكلب وجهان أصحهما عند صاحب البحر التحريم واختار البصريون الحل‏.‏

قلت‏:‏ الأصح تحريمه وصححه أيضا الشاشي والله أعلم‏.‏

وليس المراد بالتوحش مجرد الإفلات بل متى تيسر اللحوق بعدو أو استعانة بمن مسك الدابة فليس ذلك توحشا ولا يحل إلا بالذبح في المذبح ولو تحقق الشرود وحصل العجز في الحال فقد أطلق الأصحاب أن البعير كالصيد لأنه قد يريد الذبح في الحال فتكليفه الصبر إلى القدر يشق عليه قال الإمام والظاهر عندي أنه لا يلحق بالصيد بذلك لأنها حالة عارضة قريبة الزوال لكن لو كان الصبر والطلب يؤدي إلى مهلكة أو مسبعة فهو حينئذ كالصيد وإن كان يؤدي إلى موضع لصوص وغصاب مترصدين فوجهان‏.‏

والفرق أن تصرفهم وإتلافهم متدارك بالضمان والمذهب ما قدمناه عن الأصحاب ثم في كيفية الجرح المفيد للحل في الناد والمتردي وجهان أصحهما وبه أجاب الأكثرون يكفي جرح يفضي إلى الزهوق كيف كان والثاني لا بد من جرح مذفف واختاره القفال والإمام‏.‏

 فصل في حكم إرسال السلاح

إذا أرسل سلاحا كسهم وسيف وغيرهما أو كلبا معلما على صيد ثم أدرك الصيد حيا نظر إن لم يبق فيه حياة مستقرة بأن كان قطع حلقومه ومريه أو أجافه أو خرق أمعاءه فيستحب أن يمر السكين على حلقه ليريحه فإن لم يفعل وتركه حتى مات فهو حلال كما لو ذبح شاة فاضطربت أو عدت وإن بقيت فيه حياة مستقرة فله حالان أحدهما أن يتعذر ذبحه بغير تقصير من صائده حتى يموت فهو حلال أيضا للعذر والثاني أن لا يتعذر ذبحه فتركه حتى مات أو تعذر بتقصيره فمات فهو حرام كما لو تردى بعير فلم يذبحه حتى مات فمن صور الحال الأول أن يشغل بأخذ الآلة وسل السكين فيموت قبل إمكان ذبحه ومنها أن يمتنع بما فيه من بقية قوة ويموت قبل قدرته عليه ومنها أن لا يجد من الزمان ما يمكن الذبح فيه ومن صور الثاني أن لا يكون معه آلة ذبح أو تضيع آلته منه فلو نشبت في الغمد فلم يتمكن من إخراجها حتى مات فهو حرام على الصحيح لأن حقه أن يستصحب غمدا يواتيه وقال أبو علي بن أبي هريرة والطبري يحل ولو غصبت الآلة فالصيد حرام على الأصح‏.‏

والثاني تحل كما لو لم يصل إلى الصيد لسبع حائل حتى مات قال الروياني ولو اشتغل بطلب المذبح فلم يجده حتى مات فهو حلال لأنه لا بد منه بخلاف ما لو اشتغل بتحديد السكين لأنه يمكن تقديمه ولو كان يمر ظهر السكين على حلقه غلطا فمات فحرام لأنه تقصير ولو وقع الصيد منكسا واحتاج إلى قلبه ليقدر على الذبح فمات أو اشتغل بتوجيهه إلى القبلة فمات فحلال ولو شك بعد موت الصيد هل تمكن من ذكاته فيحرم أم لم يتمكن فيحل فقولان أظهرهما يحل وهل يشترط العدو إلى الصيد إذا أصابه السهم أو الكلب وجهان أحدهما نعم لأنه المعتاد في هذه الحالة لكن لا يكلف المبالغة بحيث يفضي إلى ضرر ظاهر وأصحهما لا بل يكفي المشي وعلى هذا فالصحيح الذي قطع به الصيدلاني وصاحب التهذيب وغيرهما أنه لو كان يمشي على هينته فأدركه ميتا حل وإن كان لو أسرع لأدركه حيا‏.‏

وقال الإمام عندي أنه لا بد من الإسراع قليلا لأن الماشي على هينته خارج عن عادة الطلب فإن شرطنا العدو فتركه فصادف الصيد ميتا ولم يدر أمات في الزمن الذي يسع العدو أم بعده فينبغي أن يكون على القولين فيما إذا شك في التمكن من الذكاة‏.‏

لو رمى صيدا فقده قطعتين متساويتين أو متفاوتتين فهما حلال ولو أبان منه بسيف أو غيره عضوا كيد ورجل نظر إن أبانه بجراحة مذففة ومات في الحال حل العضو وباقي البدن وإن لم يذففه فأدركه وذبحه أو جرحه جرحا آخر مذففا فالعضو حرام لأنه أبين من حي وباقي البدن حلال وإن أثبته بالجراحة الأولى فقد صار مقدورا عليه فتعين ذبحه ولا تجزىء سائر الجراحات ولو مات من تلك الجراحة بعد مضي زمن ولم يتمكن من ذبحه حل باقي البدن ولم يحل العضو على الأصح لأنه أبين من حي فهو كمن قطع ألية شاة ثم ذبحها لا تحل الألية قطعا‏.‏

والثاني تحل لأن الجرح كالذبح للجملة فتبعها العضو وإن جرحه جراحة أخرى والحالة هذه فإن كانت مذففة فالصيد حلال والعضو حرام وإلا فالصيد حلال أيضا والعضو حرام على الصحيح لأن الإبانة لم تتجرد ذكاة للصيد‏.‏

الركن الثالث آلة الذبح والاصطياد هي ثلاثة أقسام الأول المحددات الجارحة بحدها من الحديد كالسيف والسكين والسهم والرمح أو من الرصاص أو من النحاس أو الذهب أو الخشب المحدد أو القصب أو الزجاج أو الحجر فيحصل الذبح بجميعها ويحل الصيد المقتول بها إلا الظفر والسن وسائر العظام فإنه لا يحل بها سواء عظم الآدمي وغيره المتصل والمنفصل وفي وجه أن عظم المأكول تحصل الذكاة به وهو شاذ ضعيف ولو ركب عظما على سهم القسم الثاني الآلات المثقلات إذا أثرت بثقلها دقا أو خنقا لم يحل الحيوان وكذا المحدد إذا قتل بثقله بل لا بد من الجرح فيحرم الطير إذا مات ببندقة رمي بها خدشته أم لا قطعت رأسه أم لا ولو وقع صيد في بئر محفورة له فمات بالانصدام أو الخنق بأحبولة منصوبة له أو كان رأس الحبل بيده فجره ومات الصيد أو مات بسهم لا نصل فيه ولا حد له أو بثقل السيف أو مات الطير الضعيف بإصابة عرض السهم أو قتل بسوط أو عصا فكله حرام ولو ذبح بحديدة لا تقطع لم يحل لأن القطع هنا بقوة الذابح وشدة الاعتماد لا بالآلة ولو خسق فيه العصا ونحوه حكى الروياني أنه إن كان محددا يمور مور السلاح فهو حلال وإن كان لا يمور إلا مستكرها نظر إن كان العود خفيفا قريبا من السهم حل وإن كان ثقيلا لم يحل‏.‏

فرع إذا لم يجرح الكلب الصيد لكن تحامل عليه فقتله بضغطته حل على الأظهر‏.‏

فرع إذا مات الصيد بشيئين محرم ومبيح بأن مات بسهم وبندقة أصاباه من رام أو راميين أو صيب الصيد طرف من النصل فيجرحه ويؤثر فيه عرض السهم في مروره فيموت منهما أو يرمي إلى صيد سهما فيقع على طرف سطح ثم يسقط منه أو على جبل فيتدهور منه أو يقع في ماء أو على شجر فينصدم بأغصانه أو يقع على محدد من سكين وغيره فكل هذ حرام ولو تدحرج المجروح من الجبل من جنب إلى جنب حل ولا يضر ذلك لأنه لا يؤثر في التلف وإن أصاب السهم الطائر في الهواء فوقع على الأرض ومات حل سواء مات قبل وصوله الأرض أو بعده لأنه لا بد من الوقوع فعفي عنه كما لو كان الصيد قائما فأصابه السهم ووقع على جنبه وانصدم بالأرض ومات فإنه يحل‏.‏

ولو زحف على قليلا بعد إصابة السهم فهو كالوقوع على الأرض فيحل ولو لم يجرحه السهم في الهواء لكن كسر جناحه فوقع ومات فحرام لأنه لم يصبه جرح يحال الموت عليه ولو كان الجرح خفيفا لا يؤثر مثله لكن عطل جناحه فسقط ومات فحرام ولو جرحه السهم في الهواء فوقع في بئر إن كان فيها ماء فقد سبق بيانه وإلا فهو حلال وقعر البئر كالأرض والمراد إذا لم تصادمه جدران البئر‏.‏

ولو كان الطائر على شجرة فأصابه السهم فوقع على الأرض ومات حل وإن وقع على غصن ثم على الأرض لم يحل وليس الانصدام بالأغصان أو بأحرف الجبل عند التدهور من أعلاه كالانصدام بالأرض فإن ذلك الانصدام ليس بلازم ولا غالب والانصدام بالأرض لازم‏.‏

وللإمام احتمال في الصورتين لكثرة وقوع الطير على الشجر والانصدام بطرف الجبل إذا كان الصيد فيه‏.‏

فرع إذا رمي طير الماء إن كان على وجه الماء فأصابه ومات له كالأرض وإن كان خارج الماء ووقع فيه بعد إصابة السهم ففي حله وجهان ذكرهما في الحاوي وقطع في التهذيب بالتحريم وفي شرح مختصر الجويني بالحل فلو كان الطائر في هواء البحر قال في التهذيب إن كان الرامي في البر لم يحل وإن كان في السفينة في البحر حل‏.‏

فرع جميع ما ذكرنا فيما إذا لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى المذبوح فإن انتهى إليها بقطع الحلقوم والمريء أو غيره فقد تمت ذكاته ولا أثر لما يعرض بعده‏.‏

فرع لو أرسل كلب في عنقه قلادة محددة فجرح الصيد بها حل كما لو أرسل سهما قاله في التهذيب وقد يفرق بأنه قصد بالسهم الصيد ولم يقصده بالقلادة‏.‏

وبجوارح الطير كالبازي والشاهين والصقر وفي وجه يحكى عن أبي بكر الفارسي لا يجوز الاصطياد بالكلب الأسود وهو شاذ ضعيف‏.‏

والمراد بجواز الاصطياد بها أن ما أخذته وجرحته وأدركه صاحبها ميتا أو في حركة المذبوح حل أكله ويقوم إرسال الصائد وجرح الجارح في أي موضع كان مقام الذبح في المقدور عليه وأما الاصطياد بمعنى إثبات الملك فلا يختص بل يحصل بأي طريق تيسر ثم يشترط لحل ما قتله الجوارح كون الجارح معلما فإن لم يكن معلما لم يحل ما قتله فإن أدرك وفيه حياة مستقرة ذكاه كغيره ويشترط في كون الكلب معلما أربعة أمور أحدها أن ينزجر بزجر صاحبه كذا أطلقه الجمهور وهو المذهب وقال الإمام يعتبر ذلك في ابتداء الأمر فأما إذا انطلق واشتد عدوه ففي اشتراطه وجهان أصحهما يشترط‏.‏

الثاني أن يسترسل بإرساله ومعناه أنه إذا أغري بالصيد هاج‏.‏

الثالث أن يمسك الصيد فيحبسه على صاحبه ولا يخليه‏.‏

الرابع أن لا يأكل منه على المشهور وفي قول شاذ لا يضر الأكل هذا حكم الكلب وما في معناه من جوارح السباع وذكر الإمام أن ظاهر المذهب أنه يشترط أيضا أن ينطلق بإطلاق صاحبه وأنه لو انطلق بنفسه لم يكن معلما ورآه الإمام مشكلا من حيث أن الكلب على أي صفة كان إذا رأى صيدا بالقرب منه وهو على كلب الجوع يبعد انكفافه وأما جوارح الطير فيشترط فيها أن تهيج عند الإغراء أيضا ويشترط ترك أكلها من الصيد أيضا على الأظهر قال الإمام ولا يطمع في انزجارها بعد الطيران ويبعد أيضا اشتراط انكفافها في أول الأمر ثم في الفصل مسائل‏.‏

إحداها الأمور المشترطة في التعليم يشترط تكررها ليغلب على الظن تأدب الجارحة والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح على الصحيح الذي اقتضاه كلام الجمهور وقيل يشترط تكرره ثلاث مرات وقيل مرتين‏.‏

الثانية إذا ظهر أنه معلم ثم أكل من صيد قبل قتله أو بعده ففي حل ذلك الصيد قولان أظهرهما لا يحل قال الإمام وددت لو فصل فاصل بين أن ينكف زمانا ثم يأكل وبين أن يأكل بنفس الأخذ لكن لم يتعرضوا له‏.‏

قلت‏:‏ فصل الجرجاني وغيره فقالوا إن أكل عقيب القتل ففيه القولان وإلا فيحل قطعا والله أعلم

فإذا قلنا بالتحريم فلا بد من استئناف التعليم ولا ينعطف التحريم على ما اصطاده من قبل فإذا قلنا بالحل فتكرر أكله وصار عادة له حرم الصيد الذي أكل منه بلا خلاف وفي تحريم الصيود التي أكل منها من قبل وجهان وقد ترجح منهما التحريم قال في التهذيب إذا أكل من الصيد الثاني حرم وفي الأول الوجهان وإذا أكل من الثالث حرم وفيما قبله الوجهان وهذا ذهاب إلى أن الأكل مرتين يخرجه عن كونه معلما وقد ذكرنا خلافا في تكرر الصفات التي يصير بها معلما ويجوز أن يفرق بينهما بأن أثر التعليم في الحل وأثر الأكل في التحريم فعملنا بالاحتياط فيهما وعلى هذا لو عرفنا كونه معلما لم ينعطف الحل على ما سبق بلا خلاف وفي انعطاف التحريم الخلاف المذكور ولو لعق الكلب الدم لم يضر على الفذهب وأشار الإمام إلى وجه ضعيف‏.‏

ولو أكل حشوة الصيد فطريقان أصحهما على قولي اللحم‏.‏

والثاني القطع بالحل لأنها غير مقصودة كالدم ولو لم يسترسل عند الإرسال أو لم ينزجر عند الزجر فينبغي أن يكون في تحريم الصيد وخروجه عن كونه معلما الخلاف في الأكل قال القفال لو أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع وصار يقاتل دونه فهو كالأكل وجوارح الطير إذا أكلت منه وقلنا يشترط في التعليم تركها الأكل فطريقان‏.‏

أصحهما طرد القولين كالكلب والثاني القطع بالحل الثالثة معض الكلب من الصيد نجس يجب غسله سبعا مع التعفير كغيره فإذا غسل حل أكله هذا هو المذهب وقيل إنه طاهر وقيل نجس يعفى عنه ويحل أكله بلا غسل وقيل نجس لا يطهر بالغسل بل يجب تقوير ذلك الموضع وطرحه لأنه يتشرب لعابه فلا يتخلله الماء قال الإمام وهذا القائل يطرد ما ذكره في كل لحم وما في معناه بعضه الكلب بخلاف موضع يناله لعابه بغير عض وقيل إن أصاب ناب الكلب عرقا نضاخا بالدم سرى حكم النجاسة إلى جميع الصيد ولم يحل أكله قال الإمام هذا غلط لأن النجاسة وإن اتصلت بالدم فالعرق وعاء حاجز بينه وبين اللحم ثم الدم إذا كان يفور امتنع غوص النجاسة فيه كالماء المتصعد من فواره إذا وقعت نجاسة على أعلاه لم ينجس ما تحته‏.‏

فرع ذكرنا أن النمر والفهد كالكلب في حل ما قتلاه وهكذا نص عليه الشافعي والأصحاب وذكر الإمام أن الفهد يبعد فيه التعلم لأنفته وعدم انقياده فإن تصور تعلمه على ندور فهو كالكلب وهذا الذي قاله لا يخالف ما قاله الشافعي والأصحاب وفي كلام الغزالي ما يوهم خلاف هذا وهو محمول على ما ذكره الإمام فلا خلاف فيه‏.‏

الركن الرابع نفس الذبح وعقر الصيد‏.‏

أما نفس الذبح فسبق في باب الأضحية‏.‏

وأما العقر الذي يبيح الصيد بلا ذكاة فهو الجرح المقصود المزهق الوارد على حيوان وحشي‏.‏

الأولى قصد أصل الفعل الجارح فلو كان في يده سكين فسقط فانجرح به صيد ومات أو نصب سكينا أو منجلا أو حديدة فانعقر به صيد ومات أو كان في يده سكين فاحتكت بها شاة فانقطع حلقومها أو وقعت على حلقها فقطعته فهي حرام‏.‏

وحكي وجه عن أبي إسحق أنه تحل الشاة في صورة وقوع السكين من يده ولا شك أن الصيد في معناها وهذا الوجه شاذ ضعيف ولو كان في يده حديدة فحركها وحكت الشاة أيضا حلقها بالحديدة فحصل انقطاع حلقها بالحركتين فهي حرام‏.‏

فرع إذا استرسل الكلب المعلم بنفسه فقتل صيدا فهو حرام فلو أكل منه لم يقدح ذلك في كونه معلما بلا خلاف وإنما يعتبر الإمساك إذا أرسله صاحبه ولو زجره صاحبه لما استرسل فانزجر ووقف ثم أغراه فاسترسل وقتل الصيد حل بلا خلاف وإن لم ينزجر ومضى على وجهه لم يحل سواء زاد عدوه وحدته أم لا فلو لم يزجره بل أغراه فإن لم يزد عدوه فحرام وكذا إن زاد على الأصح فإن كان الإغراء وزيادة العدو بعد ما زجره فلم ينزجر فعلى الوجهين وأولى بالتحريم وبه قطع العراقيون‏.‏

ولو أرسل مسلم كلبا فأغراه مجوسى فازداد عدوه فإن قلنا في الصورة السابقة لا ينفأما ينقطع الاسترسال ولا يؤثر الإغراء حل هنا ولا يؤثر إغراء المجوسي وإن قطعناه وأحلنا على الإغراء لم يحل هنا كذا ذكر الجمهور هذا البناء وقطع في التهذيب بالتحريم واختاره القاضي أبو الطيب لأنه قطع للأول أو مشاركة وكلاهما يحرمه‏.‏

ولو أرسل مجوسي كلبا فأغراه مسلم فازداد عدوه فوجهان بناء على عكس ما تقدم ومنهم من قطع بالتحريم‏.‏

ولو أرسل مسلم كلبه فزجره فضولي فانزجر ثم أغراه فاسترسل فأخذ صيدا فلمن يكون الصيد وجهان أصحهما للغاصب ولو زجره فلم ينزجر فأغراه أو لم يزجره بل أغراه وزاد عدوه وقلنا الصيد للغاصب خرج على الخلاف في أن الإغراء يوسف يقطع حكم الابتداء أم لا إن قلنا لا وهو الأصح فالصيد لصاحب الكلب وإلا فللغاصب الفضولي قال الإمام ولا يمتنع تخريج وجه باشتراكهما‏.‏

فرع إصابة السهم للصيد بإعانة الريح لو أصاب السهم الصيد بإعانة الريح وكان يقصر عنه لولا الريح حل قطعا لأنه لا يمكن الاحتراز ولو أصاب الأرض أو انصدم بحائط ثم ازدلف وأصاب الصيد أو أصاب حجرا فنبا عنه وأصاب الصيد أو نفذ فيه إلى الصيد أو كان الرامي في نزع القوس فانقطع الوتر وصدم الفوق فارتمى السهم وأصاب الصيد حل على الأصح‏.‏

المرتبة الثانية قصد جنس الحيوان فلو أرسل سهما في الهواء أو فضاء من الأرض لاختبار قوته أو رمى إلى هدف فاعترض صيد فأصابه وقتله وكان لا يخطر له الصيد أو كان يراه ولكن رمى إلى الهدف أو ذئب ولا يقصد الصيد فأصابه لم يحل على الأصح المنصوص لعدم قصده ولو كان يجيل سيفه فأصاب عنق شاة وقطع الحلقوم والمريء من غير علم بالحال فقطع الإمام وغيره بأنها ميتة قد يجيء في هذا الخلاف وأيضا الوجه المنقول فيما لو وقع السكين من يده‏.‏

ولو أرسل كلبا حيث لا صيد فاعترض صيد فقتله لم يحل على المذهب وفي الكافي للروياني وغيره فيه وجهان ولو رمى ما ظنه حجرا أو جرثومة أو آدميا معصوما أو غير معصوم أو خنزيرا أو حيوانا آخر محرما فكان صيدا فقتله أو ظنه صيدا غير مأكول فكان مأكولا أو قطع في ظلمة ما ظنه ثوبا فكان حلق شاة فانقطع الحلقوم والمريء أو أرسل كلبا إلى شاخص يظنه حجرا فكان صيدا أو لم يغلب على ظنه شيء من ذلك أو ذبح في ظلمة حيوانا يظنه محرما فبان أنه ذبح شاة حل جميع ذلك على الصحيح‏.‏

ولو رمى إلى شاته الربيطة سهما جارحا فأصاب الحلقوم والمريء وفاقا وقطعهما ففي حل الشاة مع القدرة على ذبحها احتمال للإمام وقال ويجوز أن يفرق بين أن يقصد المذبح بسهمه وبين أن يقصد الشاة فيصيب المذبح‏.‏

قلت‏:‏ الأرجح الحل والله أعلم‏.‏

المرتبة الثالثة قصد عين الحيوان فإذا رمى صيدا يراه أو لا يراه لكن يحس به في ظلمة أو من وراء حجاب بأن كان بين أشجار ملتفة وقصده حل فإن لم يعلم به بأن رمى وهو لا يرجو صيدا فأصاب صيدا ففيه الخلاف السابق في المرتبة الثانية‏.‏

وإن كان يتوقع صيدا فبنى الرمي عليه بأن رمى في ظلمة وقال ربما أصبت صيدا فأصابه فأوجه أصحها التحريم والثاني يحل والثالث إن توقعه بظن غالب حل وإن كان مجرد تجويز حرم ولو رمى إلى سرب من الظباء أو أرسل كلبا فأصاب واحدة منها فهي حلال قطعا‏.‏

ولو قصد منها ظبية بالرمي فأصاب غيرها فأوجه أصحها الحل مطلقا والثاني التحريم والثالث إن كان حالة الرمي يرى المصاب حل وإلا فلا والرابع إن كان المصاب من السرب الذي رآه ورماه حل وإلا فلا ومنهم من قطع بالحل وسواء عدل السهم عن الجهة التي قصدها إلى غيرها أم لا ولو رمى شاخصا يعتقده حجرا وكان حجرا فأصاب ظبية لم تحل على الأصح وبه قطع الصيدلاني وغيره وإن كان الشاخص صيدا ومال السهم عنه وأصاب صيدا آخر ففيه الوجهان وأولى بالحل‏.‏

ولو رمى شاخصا ظنه خنزيرا وكان خنزيرا أو صيدا فلم يصبه وأصاب ظبية لم يحل على الأصح فيهما لأنه قصد محرما والخلاف فيما إذا كان خنزيرا أضعف ولو رمى شاخصا ظنه صيدا فبان حجرا أو خنزيرا أو أصاب السهم صيدا قال في التهذيب إن اعتبرنا ظنه فيما إذا رمى ما ظنه حجرا فكان صيدا وأصاب السهم صيدا آخر وقلنا بالتحريم فهنا يحل الصيد الذي أصابه وإن اعتبرنا الحقيقة وقلنا بالحل هناك حرم هنا‏.‏

وأما إذا أرسل كلبا على صيد فقتل صيدا أخر فينظر إن لم يعدل عن جهة الإرسال بل كان فيها صيود فأخذ غير ما أغراه عليه حل على الصحيح كما في السهم وإن عدل إلى جهة أخرى فأوجه أصحها الحل لأنه تعسر تكليفه ترك العدول ولأن الصيد لو عدل فتبعه حل قطعا والثاني يحرم والثالث وهو اختيار صاحب الحاوي إن خرج عادلا عن الجهة حرم وإن خرج إليها ففاته الصيد فعدل إلى غيرها وصاد حل لأنه يدل على حذقه حيث لم يرجع خائبا وقطع الإمام بالتحريم إذا عدل وظهر من عدوله واختياره بأن امتد في جهة الإرسال زمانا ثم ثار صيد آخر فاستدبر المرسل إليه وقصد الآخر‏.‏

وأما كون الجرح مزهقا فيخرج منه ما لو مات بصدمة أو افتراس سبع أو أعان ذلك الجرح غيره على ما بينا في نظائره فلا يحل‏.‏

ولو غاب عنه الكلب والصيد ثم وجده ميتا لم يحل على الصحيح لاحتمال موته بسبب آخر ولا أثر لتضمخه بدمه فربما جرحه الكلب وأصابته جراحة أخرى وإن جرحه فغاب ثم أدركه ميتا فإن انتهى إلى حركة المذبوح بالجرح حل ولا أثر لغيبته وإن لم ينته فإن وجد في ماء أو وجد عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى لم يحل وإن لم يكن عليه أثر آخر فثلاث طرق أحدها يحل قطعا والثاني يحرم قطعا وأصحها على قولين أظهرهما عند الجمهور من العراقيين وغيرهم التحريم وأظهرهما عند صاحب التهذيب التحليل وتسمى هذه مسألة الإنماء‏.‏

قلت‏:‏ الحل أصح دليلا وصححه أيضا الغزالي في الإحياء وثبتت فيه الأحاديث الصحيحة ولم يثبت في التحريم شيء وعلق الشافعي الحل على صحة الحديث والله أعلم‏.‏